أَسْرَارُ العِلَاجِ بِالنَّار



العِلَاجُ بِالكَيِّ حِمَايَةٌ لِلصِّحَّةِ وَإِطَالَةٌ لِلْحَيَاةِ


   مُنذُ أن تَواجَد الإنسان على هذه الأرض، وهو في بَحْثٍ دائم عن أسباب تُوَفِّر له الصِّحة الدائمة، والعمر الطَّويل، وفي بَحْث مُسْتَمِر عن أَنْفَعِ العلاجات والأدوية للأمراض والعِلَلِ التي تصيبه، وتَعْتَرِي جسده، ويُعتبَر الكَيُّ بِالنَّارِ من أقدم العلاجات التي استعملها الإنسان، واعتبرها البعض علاجا نافعا في أي وقت من مراحل المرض، في حين يرى آخرون؛ أن  الكي آخر الدواء؛ فماهو الكي بالنار؟ وماهي فوائد الكي؟ وماهي أضرار الكي؟ وكيف يَكْوِي الإنسان أمراضه؟

أسرار العلاج بالكي بالنار
تحمية ميسم الكي بالنار

   إنَّ حماية الصِّحة بواسطة الكي مَقْبُولَة من طرف الصِّينِيِّين والأجانب في أوروبا وأمريكا، ودَلَّتِ البحوث الطبية الحديثة على أن الكي يعمل على تنظيم وظائف الأحشاء الداخلية، وتنشيط عمليات تجديد الخلايا، وتغيير عناصر الدم، وزيادة الكُرَيَّاتِ البيضاء، والحمراء، والبروتينات الدموية الحمراء، ورفع قدرة الخلية البيضاء الابتلاعية، وتعزيز المناعة، وقُدْرَةِ الجسم على مقاومة الأمراض، ورفع مستوى الصِّحة؛ مما يُؤدِّي إلى إطالة عمر الإنسان.

الكَيُّ لدى الشعوب في التراث الطبي الإنساني


   إِذَا اطَّلَعْنَا على تاريخ ثقافات الشعوب والأمم في مشارق الأرض ومغاربها، وجدنا أنها اهتمت بالنَّار؛ فقد أناروا بها وطبخوا بها، وقَدَّسُوها، وعبدوها، وعالجوا بها؛ فقد عُرِفَ العلاج بالنار عن اليونان والرومان، واهتم الطب الآسيوي القديم وخصوصا الصيني منه بالعلاج بالنار اهتماما مُنْقَطِعَ النظير، وكان جزءا مُهِما من طبهم القديم.

إِنَّ العِلَاجَ بِالْكَيِّ بِالنَّارِ، مَقْبُولٌ فِي الثَّقَافَةِ العَرَبِيَّةِ، واسْتَعْمَلَهُ الصِّينِيُّون، وَالأَجَانِب، وَأَثْبَتَت البُحُوثُ الطِّبِيَّةُ الحَدِيثَة؛ أَنَّ الكَيَّ يَعْمَلُ عَلَى تَعْدِيلِ وَظَائِفِ أَعْضَاءِ الجِسْمِ، وَيُسَاهِمُ فِي الحِفَاظِ عَلَى الصِّحَةِ، وَإِطَالَةِ عُمر الإِنْسَانِ.



  كما اهتم به الفراعنة كذلك، واهتم به العرب في مهد الحضارة العربية الإسلامية، وبالخصوص في البصرة والكوفة بالعراق. كما ذُكِرَ الكي في الطِّب النَّبوِي، واستعمله المسلمون قديما وحديثا.  

الأمراض التي تُعَالَجُ بالكي


   تَتَعَدَّدُ الأمراض التي تَتِمُّ معالجتها بالنَّار، ولكن المُتَعَارَفَ عليه منذ القدم؛ هو أن الكي يساهم في تعديل وظائف أعضاء الجسم للقضاء على الأمراض، لأن النَّار تُحَفِّز مناعة الانسان، لتُكافِح العِلَلَ والأمراض، والتي نَذْكُر من أهمها:

  • اليرقان؛
  • عرق النَّسَا؛
  • الأمراض الباطنية التي تصيب (الأحشاء، الكبد، المعدة)؛
  • الأمراض الصَّدرية،
  • آلام المفاصل؛


شُروط عملية الكَيِّ بالنَّار


   تَخْضَعُ عمليَّة الكَيِّ بالنَّار لشروط عديدة، يجب أن يتم مراعاتها واحترامها؛ لِكَيْ يُعطي الكَيُّ مفعوله الإيجابي، وتظهر فوائده على صحة المريض، وتَجَنُّبا لِأيَّة أضرار، أو آفات سلبية، تَنْتُجُ عن الكَيِّ الخاطئ، والذي لا يَحْترِم ولا يَلتَزِم بشروط ومتطلبات الكَيِّ الصَّحيح. كما أن مناطق كَيِّ جسم الإنسان، يَجِبُ أن تَحتَرِم ترتيبا مُعَيَّنا.

شُروط ومُتطلَّبات العِلَاج بِالكَيِّ:

  1. الأخذ بعين الاعتبار درجة الحرارة، والحذر من الحرق، وعندما يتم الكَيُّ، يكون المَكْوِي قد خلع بعض ملابسه، ولذلك؛ فإن درجة حرارة الغرفة، يجب أن تبلغ المستوى المطلوب حتى لا يُصِيب البرد المَكْوِي؛
  2. أثناء الكَيِّ، يجب أن يكون المَكْوِي في حالة نفسية مرتاحة، وهادئا غير متوتر؛
  3. وَضْعُ جسم المَكْوِي بشكل مُريح، وطبيعي، والعضلات تكون في حالة ارتخاء تام، وذلك لتجنب التَّعب، والخطأ في تحديد النقطة التي يجب كَيُّهَا بِدِقَّةٍ؛
  4. وقت الكَيِّ ليس محددا، ويمكن أن يكون في الصباح، أو في الظَّهيرة، أو المساء، ولا تُؤَثِّر الأحوال الجوية في عملية الكَيِّ؛ سواء كان الطَّقس باردا أو حارا، وفي كل أوقات السَّنة؛
  5. يجب على المُصَاب الذي لجأ إلى العلاج بالكَيِّ؛ كدواء له، أن يصبر على قبول الكَيِّ لحصص كثيرة، ولا يمكن أن يحصل على النتائج المُرْضِيَّةِ والإيجابية في حصة واحدة، والصَّبر أساس نجاح العِلَاجِ بالكَيِّ؛
  6. من قام بالكَيِّ في القسم الأعلى من الجسد، يجب أن يقوم بالكَيِّ أيضا على إحدى نقاط القسم الأسفل من الجسم؛ لجعل الحرارة تسير من الأعلى إلى الأسفل؛
  7. من يُحس بالتَّعب والمرض في الجسم كله، أو لديه أمراض في الأحشاء الباطنية، فعليه أن يَكْوِي على الأقل نُقْطَتَيْن في جَانِبَيْ الجسم؛
  8. الكَيُّ في الحِصَّة الأولى، يجب أن يكون خفيفا، وكلما ازداد عدد الحصص، ازدادت حِدَّة وشِدَّة الكَيِّ شيئا فشيئا؛ حيث يَتَعَوَّدُ عليها الجسم، ولا يُحِسُّ المريض بحرق النَّار.


 ترتيب أعضاء جسم الإنسان في عملية الكَيِّ:

  1. الرَّأس؛
  2. الظَّهر؛
  3. الصَّدر؛
  4. الأطراف العُلوية (الأيدي، والبطن، وما جاورهما)؛
  5. الأطراف السُّفلية الأرجل ومُكَوِّنَاتُها)؛
  6. الأقدام.


   فجسم الانسان يُكْوَى من الأعلى إلى الأسفل، ويُمْنَع العكس؛ لأنَّه يُحْدِث ضَرَرا، ولا نفع فيه.

ماهي أدوات الكي؟


   تَخْتَلِفُ أدوات الكَيِّ من شخص مُتَخَصِّصٍ إلى آخر، وحسب اختلاف المناطق؛ فالبعض يستعمل أدوات مصنوعة من حديد؛ تُسَمَّى "المَيَاسِم" ومفردها "مَيْسَم"، وسُمِّيَت بهذا الاسم لكونها تُحْدِثُ وَسْما في جسم الإنسان، وتتنوع أسماؤها؛ فمنها: "المنجل" و"المطرقة" وغيرهما، إضافة إلى "المسامير" و"الإبر" و"الدبابيس"، وتستعمل للكي الدقيق والمناطق الحساسة، أما البعض؛ فيستعمل بعض الأعشاب، وعلى رأسها عشبة "الشيح"؛ إذ تُستعمَل أليفاها إما على شكل هرم صغير قده لا يتجاوز "حَبَّةُ أَرُزٍّ"، ويتم إشعاله فوق نقطة محددة من الجسم لتحرقه، أو تُلَفُّ ألياف "الشيح" في لفافة، ثم يتم اشعالها وتكوى بها النقاط المحددة بخفة.

التأثيرات السلبية والأضرار الجانبية للكي


   تَخْتَلِفُ تأثيرات الكَيِّ بالنَّار، باختلاف أجسام النَّاس ولِيَاقَتِهِم البَدنيَّة، وكذا الحالة المَرَضِيَّةِ؛ وقد تَحْدُثُ أعراض لدى الشَّخص المَكْوِي؛ كالحُمَى، وارتفاع درجة الحرارة، وجفاف الفم والتَّوَتُّر العام، ولكن هذه الأعراض تزول تدريجيا باستمرار حصص الكَيِّ، حتى تختفي، ويُمكن الفصل بين الحصص، ولا تُجْرَى في أيَّام متتالية. كما يمكن للشخص المَكْوِي أن يشرب الماء في حالة الإحساس بالعطش، أو الإمساك، واصفرار البول بشدة، وإذا حدثت تأثيرات سلبية متطورة وخطيرة؛ فإن ذلك معناه أن المريض لا يُناسِبه العلاج، وعليه أن يتوقف، ولكن في العادة والمتعارف عليه أن الكَيَّ لا تنتج عنه تطورات مُقلقة أو خطيرة.

الكي الخاطئ


   إن عملية الكَيِّ، قد تُصاحِبُها أخطاء من طرف الكَاوِي إن لم يكن مُتخصِّصا، وعارفا بأماكنه وطريقته، فالكَيُّ العشوائي؛ قد تكون عواقبه وخيمة، وفي بعض الأحيان، تَنْجُمُ عنها الوفاة، وإليك بعض الأخطاء التي يرتكبها من يقومون بالكي:

  • الكَيُّ بِشِدَّةٍ، وشواء لحم الإنسان حتى يصعب أن تلتئم جروح الكَيِّ، وحتى إذا شُفِيَت، تركت ندوبا؛
  • كَيُّ بعض المناطق في الوجه للأطفال، وإذا كَبِرُوا صارت آثاره تَشَوُّهَاتٍ في وُجوهِهم تجعلهم قَلِقِينَ حول مظهرهم؛
  • كَيُّ بعض الأشخاص المُصابين بمرض السُّكَّرِي، وصعوبة شفاء أماكن الكَّي، وبالتالي يحدث تعفن العُضْو المَكْوِي من الجسم؛ فتصير الأمور إلى ما لا تُحمد عُقباه، وكثيرون فَقَدُوا أطرافا من جسدهم بهذا السبب؛


أمَاكِن يُمْنَعُ كَيُّهَا في جِسْم الإنْسَان


   رغم أن الكَيَّ مسموح به، وتبث طبيا وعلميا أن له فوائد على الصِحَّة؛ إلا أن هنالك مناطق في جسم الإنسان لا يسمح بِكَيِّهَا نهائيا، وممنوع كَيُّهَا بأي حال من الأحوال؛ لأن إصابتها بالنار قد يؤدي إلى الموت، وهي كالتالي:

  • الوجه؛
  • الإبْطين؛
  • الفخذين من الداخل؛
  • الأعضاء التَّناسُلية؛
  • المثانة؛
  • الرَّأس، حالة نادرة لا يجب كَيُّه إلاَّ للضرورة القصوى، عند فَقْدِ الأمل في الشِّفاء، آنذاك نَضْطَرُّ إلى كَيِّه.


آخِرُ الدَّوَاءِ الكَيُّ


   يُصَنَّفُ الكَيُّ ضمن الأدوية والعلاجات الأخيرة، والتي يُمْكِن أن يلجأ إليها الإنسان، ولا يمكن أن يسعى في طلبه؛ إلا إذا فشل في إيجاد دوائه في طب الأعشاب، أو الطب الحديث؛ فالعلاج بالنَّار مُؤلِم، ويحدث داءً وحرقا؛ لذلك صُنِّف ضمن الأدوية التي يُؤَخِّر المرء طلبها، والتي يُمكن أن يلجأ إليها المريض عند يأسه.

لَا تَرْمُزُ النَّارُ دَائِمًا لِلْجَحِيمِ وَالعَذَابِ؛ بَلْ قَدْ تَتَحَوَّلُ إِلَى عِلَاجٍ وَتَصِيَر حَبْلَ نَجَاةٍ وَخَلَاصٍ مِن الأَمْرَاضِ وَالعِلَلِ.


   فالنار حرق وعذاب، يصبر عليه الإنسان لينفك من عذاب الأمراض الخطيرة التي يئس من علاجها، وعليه أن يستعين في عملية الكَيِّ بأشخاص ذوي خبرة، ويكونوا مَهَرَةً في وضع الكَيَّةِ في مواضعها، ونقاطها الصَّحيحة.


تجربة العِلاج بالكَيِّ لتلاميذ مدرسة في الصِّين


   حَدَثَتْ واقعة في مدرسة ابتدائية في الصِّين؛ إذ يَدْرُسُ بها 1200 تلميذا، ولكن 70 منهم مرضوا؛ فأصبحوا ضِعَافَ الأجسام، وأصيبوا بسوء النمو، وهشاشة العظام، وتَضَخّمِ اللَّوزتيْن، ومرض المعدة المُزمن، وتَضَخُّم العُقَد اللّمفاوية الرئوية، وأمراض العيون والآذان؛ فتم علاجهم جميعا بحصص من الكَيِّ على نقاط معينة  في الصدر، والبطن، والأيدي، باستخدام ألياف نبات "الشِّيحِ" على شكل هرم صغير حَجْمُه تقريبا نصف "حَبَّةِ أَرُزٍّ" وتم الكَيُّ بخمس حبات يوميا؛ ثلاث حَبَّات في نقاط الصَّدر، وحَبتيْن في البطن وحَبَّة في اليد بشكل يومي، وبعد شهر واحد من هذا العلاج، ظهرت نتائج ايجابية وجيدة؛ حيث رجعت شهيتهم، وارتفعت معنوياتهم وبدأت أعراضهم المرضية تزول، وبدأ وَزْنُهُم يزداد، وصِحَّتُهُم تتعافَى.    

هل يَصِحُّ كَيُّ الرُّضع والأطفال الصِّغار؟


كثيرا ما نَسْمَعُ عن كَيِّ الأطفال الصِّغار والرُّضَّعِ؛ فهل يَصِحُّ ذلك، أم فيه خطورة؟

   الأمر لا يحمل أيَّة خُطورة كبيرة، ومسموح بِكَيِّهِم، ولكن يجب أن يكون من طرف أهل الاختصاص في العلاج بالكي، والعارفين بِطُرُقِ التَّعامل مع جلد الأطفال أوالرُّضَّعِ الرَّهِيف، والرقيق، وكَيُّهُم يكون خفيفا، وفي أماكن واضحة، لا تكون في الأماكن الخطيرة التي أشرنا إليها سابقا. وقد ثبت طِبِّيا أنَّ الرضيع الذي تم كَيُّه في نقطة معينة من صدره - كَيّا خفيفا- يكون أفضل نُمُوا من الذي لم يَتِم كَيُّهُ. كما يمكن أن يتوقف الرضيع عن البكاء في الليل بفضل الكَيِّ.

نصيحة معشبتي


   الكَيُّ علاج مُفيد، وقد تَبَيَّنَ أن لديه أسرارا خَفِيَّة في علاج الأمراض، وتعديل وظائف أعضاء الجسم، ويساهم في إطالة عمر الإنسان، ولكن قَبْلَ أن تُقْبِلُوا على العلاج به؛ لَابُدَّ أن تكونوا قد استنفذتم كل الوسائل العلاجية الأخرى، وإذا لم تُعْطِ مفعولها الإيجابي، فآنذاك يُمْكِنُكُم اللجوء إلى الكَيِّ لدى أهْلِ الاختصاص، وبذلك يكون الكَيُّ بالنَّار آخر الدواء.






تعليقات