اللَّقَّاطُون والعَرَّاقُون والصَّيَّادُون فِي خِدْمَةِ العَشَّاب


 مزودو العطار بالأعشاب والبضائع


   كثيرا ما نذهب إلى العَطَّار، ونشتري منه ما نحتاج إليه، دون أن نطرح سؤالا جوهريا وهَامًّا، وهو من أين يَتَزَوَّدُ العَشَّابُ بالمواد والأَعْشَاب التي يبيعها؟  فهو يبيع الكثير من الأصناف في  محل عطارته، وليست من جنس مادة واحد، ويصعب جمعها أو حتى التَّزَوُّدُ بها دفعة واحدة من مكان أو سُوقِ جملة واحد.

 مزودو العطار بالأعشاب البضائع
أعشاب متنوعة


    تتميز سلعة العشاب بكونها غير متجانسة؛ بل إن هنالك مواد يبيعها العشابون لا يمكن الحصول عليها إلا بشق الأنفس، وبعد عناء وبحث طويل؛ بل هناك مواد يرى العشابون أن هناك استحالة في الحصول عليها، وهناك أسماء أعشاب لم يسمع بها العطارون من قبل، وعندما يطلبها منهم الزبناء، يستغربون ويتعجبون من تلك الأسماء، ومنهم من لا يُقِرُّ بعدم سماعه ومعرفته بها، ويلعب دور الخبير على الزبناء؛ فيعطيهم عشبة لا تمت لما سألوا عنه بصلة، ومنهم من يتظاهر المعرفة، ويدعي أن العشبة نفذت منه؛ فعالم العشابة كالبحر الواسع المُمْتَدِّ يصعب الإلمام بخباياه وتفاصيله، ولكن سننحاول قدر الإمكان أن نُقَرِّبَكُم ونوضح لكم من هم مُزَوِّدُو العشابين بالمواد التي يبيعونها؟ وماهي أصنافها الأساسية؟


هؤلاء من يُزَوِّدُونَ العَشَّابِين ببضاعتهم


   سنوضح بالتفصيل شبكة مُزوِّدِي العشَّابين ببضائعهم؛ فبعد بحث طويل واحتكاك بهذا المجال، انتهينا إلى أن مُزَوِّدِي العَطَّار بالبضاعة، هم كما يلي:

  • لَقَّاطُو الأعشاب: وهم أشخاص يعيشون في البوادي أو قربها، ومهمتهم هي التقاط وجمع الأعشاب، والتي يكون عليها طلب كبير من طرف العطارين الكبار، وهم مُتخصِّصُون غالبا في جمع النباتات النَّادرة، وحريصون على الحفاظ على مهمتهم، ويَتَكَتَّمُون على أماكن تَوَاجُدِهَا ولا يُصَرِّحُون بهذا الأمر مهما بلغ الثمن، ومهما استعطفتهم للحصول على المعلومة لا يبوحون بها؛ إنهم يتسترون بشكل كبير عن خبايا وأسرار خريطة الأعشاب التي يلتقطونها. 


  • العَرَّاقُون: وهم من يجمعون العُروق، والجُذور، وما شَابَهَهُمَا، ولهم سوق رَائِجَة، ونظام معين لا يَحِيدُون عنه، وعملهم مستمر دائما، وغالبا ما يربطون علاقات مع العطارين الكبار؛ والذين يرغبون في احتكار تجارة الجذور والعروق.


  • صَيَّادو الحيونات والحشرات: وهي فئة تُعْرَفُ بالتَّكَتِّم الشَّديد، والابتعاد عن الأعين، وبيع ما تصطاده بسرية؛ فإذا كان اللقاطون يتكتمون على خريطة أماكن جمع الأعشاب حفاظا على لقمة عيشهم؛ فإن تَكَتُّمَ الصيَّاد وحذره، ناتج عن ممارسة عمل يخالف القانون في الغالب؛ لأنه يصطاد دون رخصة، بل يصطاد حيوانات يُمْنَع صيدها، وهم مصدر الجُثت الحيوانية المُحَنَّطَة، و"القَناَفِدِ"، و"الهُدْهُدِ"، و"الحِرْبَاء"، و"العَلَقَة"، و"الضَّب"، و"الذِئْب"، و"الثَّعْلَب"، و"جُلود الأفَاعِي"... وغيرهم من الحيونات والطيور والحشرات، التي تكون مُخَبَّئَة لدى العشابين يبيعونها لِزُبَنَائِهِم الخَاصِّين.


مَصَادِرُ العَشَابِّ عَجِيبَة وَغَرِيبَة؛ فَمِنْهَا مَاهُو بُورِي وَزرَاعِي، وَمِنْهَا ماهو تَقْلِيدِي وَصِنَاعِي، وَحَتَّى الحَيَوَانَاتُ وَالحَشَرَاتُ وَجَدَتْ طَرِيقَهَا إِلَى مَحَلِّ العَشَّابِ، وَخُلَاصَةُ القَوْلِ: إِنَّ العَشَّابَ يَجْمَعْ فِي عِطَارَتِهِ مَالَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ جَمْعَهُ.


  • الجَمَّالُون: يبيعون التوابل الصحراوية، والأعشاب المزروعة والمرخصة، وهذه الفئة تعمل بشكل قانوني في أسواق الجملة، ولها محلات كبيرة، ومخازن في الأسواق الكبيرة للبيع بالجملة.


  • رحبة الزرع: وهي مصدر بعض الحبوب؛ كالزرع، والذُرة، والصُّوجا... وغيرها.


  • مُسْتَوْرِدُو الأعشاب: وهم مصدر التَّوابل التي تُجلَب بواسطة البواخر العابرة للقارات، من "الصين" و"الهند"، وبعض الدول الإفريقية المُنْتِجَة للتَّوابل، ويشهد عصرنا هذا، رواجا كبيرا لاستيراد الأعشاب والتوابل من القارة الآسيوية.


  • المصانع والمعامل: ومنها تُؤْخَذُ بعض البقايا الصِّناعية والنفايات المعدنية الرخيصة؛ مثل "الحديدة الزرقاء"، و"الحديدة الحمراء"، و"المراتق الذهبية" و"الصحائف الرصاصية"، وغيرها.


  • الصُّناع التَّقليديون: وهم من يُزوِّدُون العطارين ببعض أدوات الزينة العتيقة، وبعض "الخرزات".


كيف يبيع العشاب سلعته؟


   تجدر الإشارة إلى أن هناك نَوْعَيْن من العاشَّبين والعطَّارين؛ فالنَّوع الأول من المُحافظين المُلتزمين، وهم كالبقالين، والتجار، ولا يهتمون إلا بالبيع والشراء، وضوابط التجارة، أما النَّوع الثاني؛ فلديه الكثير من الوسائل للتَّرويج والبيع، وجلب الزبناء، وقد يتنازل عن الصَّدق وأخلاق مهنة العطارة لبيع بضاعته بأي شكل من الأشكال، ونذكر منها:

  • شبكة من العلاقات الاجتماعية الخاصة: وتعتبر هذه الشبكة هي الرأس المُدَبِّر لترويج العطارة ومشتقاتها، وتُرَسِّخُ في أذهان الناس أن عَطَّارا مُعَيَّنا، هو الراسخ في المهنة، والعارف بخبايا وأسرار الأعشاب، والمُعالِج لكل الأمراض.


  •  العجائز وكبار السن والعلاقات والمعارف والأصدقاء: ويقدمون نصائح وإرشادات لمعارفهم حول عطار يعرفونه، ويعطون لهم نصائح وإرشادات تدل الزبون أو الزبونة المنصوحة إلى العطار الصديق.


   ويلجأ النَّاس بكل فئاتهم وطبقاتهم إلى العطارين والعشابين؛ إذ إن مزاعم البعض على أن الأميين والبدويين هم ولوحدهم من يلجأ إلى العطار، هو أمر خاطئ فزُبَنَاءُ العطار ينتمون إلى طبقات اجتماعية متعددة؛ فمنهم الغني والفقير، والأمي والمتعلم، والمرأة والرجل، وحتى الأطباء يلجأون إلى استعمال وصفات العشابين في أَحَايِين كثيرة.

نصيحة معشبتي


   ليس مِنَّا من لم يذهب يوما لشراء شيء عند العشاب أو العطار، وهذا أمر طبيعي، لكن علينا أن نلجأ دائما إلى العشابين الذين يتميزون بِسُمْعَة جيدة، وتكون سلعهم مُخَزَّنَة بشكل جيد، وتكون نَقِيَّة وجديدة؛ فالأعشاب قد تنقص فوائدها أو تزول إذا َمرَّ عليها زمن طويل.

google-playkhamsatmostaqltradent